-->
U3F1ZWV6ZTExODk5MTcwMDIxX0FjdGl2YXRpb24xMzQ4MDExODE2NzQ=
recent
أخبار ساخنة

ماهية المسؤولية الجزائية



المبحث الأول : تعريف المسؤولية الجنائية وتطورها
المطلب الأول : تعريف المسؤولية الجنائية.

للمسؤولية الجنائية مفهومان : الأول مجرد و الثاني واقعي ، و يراد بالمفهوم الأول صلاحية الشخص لأن ‏يتحمل تبعة سلوكه و هنا نجد المسؤولية صفة في الشخص أو حالة تلازمه سواء وقع منه ما يقتضي ‏المساءلة أو لم يقع منه شيء ‏و يراد بالمفهوم الثاني (الواقعي) تحميل الشخص تبعة سلوك صدر منه حقيقة و هنا المسؤولية ليست ‏مجرد صفة أو حالة قائمة بالشخص بل هي جزاء ايضا و هذا المفهوم يحتوي على المفهوم الأول لأنه لا ‏يتصور تحميل شخص تبعة عمله المجرم بخضوعه للجزاء المقرر لفعله في قانون العقوبات.‏


المطلب الثاني تطور مفهوم المسؤولية الجنائية
لم تكن المسؤولية الجنائية فكرة مجهولة في القوانين القديمة ، و إن ‏كانت تحدد على نحو مخالف لها هي عليه الآن ، ذلك أن القانون يتأثر بمعتقدات البيئة التي ينشأ فيها ، ‏فالمسؤولية الجنائية لا يجب أن تعزل عن إطارها التاريخي في سياق نمط الحياة و طرق التفكير اللذين ‏عرفا ، في المجتمعات القديمة.‏
لقد شغلت فكرة السلام و الاستقرار المجتمعات القديمة ، و لذا فلا غرابة أن نجدها سعيا وراء ‏تحقيق هذه الغاية تضحي بالحاجات الفردية فلقد اهتدت تلك المجتمعات بفضل اعتقادها الديني و ارتباط ‏الإنسان بالجماعة التي ينتمي إليها و قصور تفكيرها حول طبيعة الخطأ إلى القول بنوع من المسؤولية ‏الجنائية تميزك بالخصائص التالية : ‏
*المظهر الآلي و الموضوعي للمسؤولية الجنائية : ساد الاعتقاد قديما بأنه لا بد من وجود مذنب وراء كل ‏فعل ضار ، يكون مسؤولا عنه ، فإذا عرف الفاعل مسبب الضرر ، فإن رد الفعل عليه يكون تلقائيا أو آليا ‏، لم تكن المجتمعات تهتم بصفات فاعل الضرر الشخصية فلم تميز فاعل عاقل أو مجنون ، كبير أو صغير ‏، حيوان أو إنسان ، فإسناد الفعل الضار إلى أي مصدر كان يجعله مسؤولا ، فالفعل و الضرر هما ما ‏يميزان المسؤولية (لذا فهي موضوعية) ‏
*المظهر الجماعي و الشامل للمسؤولية : كانت النظرة إلى المسؤولية أوسع و أشمل مما هو معروف ‏اليوم ، فقد كانت تتوسع لتشمل أشخاصا لا علاقة لهم بالفعل المرتكب.‏
كمسؤول الأسرة كلها أو عشيرة الجاني أو قبيلته عن فعل أحد أفرادها فلم تكن المجتهدات القديمة تفرق ‏بين شخص و آخر .‏
*تطور فكرة المسؤولية (ظهور مسألة الخطأ) : فكرة المسؤولية الموضوعية لم تكن لتستمر على مدى ‏الأزمة ، فقد بدأ كفرة الخطأ تتبلور شيئا فشيئا لتنحصر المسؤولية ج في أضيف الحدود ، و ساهم في هذا ‏التطور ظهور الدولة التي أخذت على عاتقها إقامة العدالة فبفضل الدولة بدأت المجتمعات القديمة تتحويل ‏عن مفهوم المسؤولية الجماعية الضالمة الى مفهوم المسؤولية الفردية العادلة ، ليترسخ بعد ذلك مبدأ ‏‏”شخصية العقاب” تواحد من أهم مبادئ المسؤولية الجنائية في الوقت الحاضر .‏
*تأثير الدين : أجهد الحكام انفسهم في المجتمعات القديمة لارضاء الآلهة و التنفيذ بأوامر الدين فأنزلوا أشد ‏العقوبات بمن يخالف التعاليم الدينية ، خشية من ان تحل لعنتها على المجرم بالمجتمع ، و لقد ورثت الدولة ‏عن المجتمعات القديمة هذا الاتجاه ، فدعمتته لما في ذلك من تقوية لمركزها باعتبارها حامية المقدسات ، ‏و باعتبار الجرائم الدينية عامة .‏
• هذا و كان لظهور الدين المسيحي أثر بالغ في تعديل مضمون الجزاء و المسؤولية في الفكر ‏الغربي ، فلقد وجدت المسحية في الخطيئة اساس مفهوم الجريمة فمن يرتكب الخطيئة يعد اثما و ‏يكون مسؤولا ، و في هذا النطاق أفاض رجال الفقه الكنسي في مناقشة بعض المفاهيم التي تعد ‏اليوم أساسا للمسؤولية ج كالاسناد الإثر و الجزاء ، على سبيل المثال : استناد الواقعة الإجرامية ‏إلى فاعلها و تحميله نتائجها (الاعتماد على الارادة في تفسيرها). و من ناحية أخرى فقد ربط ‏الفكر المسيحي الاثم بالنية فمرتكب الجريمة ليس اثما ان لم تتوافر لديه نية الاجرام (الارادة ، و ‏حربة الاختيار).‏
• و في وقت لاحق ظهر الإسلام بنظريته المميزة الى التجريم و العقاب ، فقد حددت الشريعة ‏الاسلامية شروط المساءلة الجنائية على نحو يفوق أحدث النظريات الجائية ، فالعقل و الارادة ‏الحرة هما مناظ تحمل التبعة تحملا كاملا من حيث النتائج و الغايات ، و هو ما أجمل عليه الفقهاء ‏المسلمين من ان التبعة التامة لا تقوم إلا على العاقل ، فلا يثبت تكليف الأعلى من أو في عقلا ‏سليما بأن كان بالغا عاقلا و يسقط الاثم في حالة الخطأ (الغلط) و النسيان و الاكراه ، لقوله صلى ‏الله عليه و سلم “رقع القلم على ثلاث : عن الصغير حتى يحتلم و عن النائم حتى يستيقظ ، و عن ‏المجنون حتى يفيق” كما راعت الشريعة الجانب النفسي في الجريمة.‏
المبحث الثاني : المسؤولية الجنائية التقليدية
المطلب الأول : أسس المسؤولية الجنائية
حتى تتحقق المسؤولية الجنائية لا بد من حدوث واقعة توجب المسؤولية ‏الجنائية و شرط الواقعة الموجبة للمسؤولية الجنائية أن تكون جريمة و كذا حتى تتحقق م ج لا بد من ‏وجود شخص معين يحملها و يلزم في هذا المسؤول شرطان ، أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية و الثاني أن ‏يكون هو مرتكب الجريمة .‏
1-موجب المسؤولية الجنائية : حتى تقوم م جنائية  لا بد أن تكون هناك جريمة وقعت و أن نستوفي الجريمة ‏أركانها و أن يكون الشخص خاضعا لقانون العقوبات.‏

2-الأهلية جنائية
 :هي أساس مسؤولية جنائية  و لا تكتمل الأهلية الجنائية إلا باجتماع أمرين هما : ‏
التميز وحرية الإختيار  يقصد بها : مجموعة الصفات الشخصية اللازم توفرها في الشخص حتى يمكننا ‏أن ننسب إليه الواقعة الإجرامية . التي إقترفها عن إدراك واردة .‏
‏ وعليه فهي تقييم أو تقدير لحالة الفرد النفسية والعقلية بحيث تكون لديه القدرة على تحمل تبعة عمله . ‏ولاتتحقق الأهلية إلا إذا توافر العقل والرشد بحيث يكون قادرا على التمييز والإدراك ويقتضي ذلك أمرين ‏
‏-‏ النضج العقلي الكافي : لايعبر الفرد أهلا للمسؤولية إلا بعد أن تتضح ملكاته النفسية والذهنية ‏ويصبح قادرا على التمييز .‏
‏-‏ الصحة العقلية : بلوغ الفرد لسن معين يجعله عاقلا مميزا .‏
‏-‏ حرية الاختيار : حرية الاختيار التي يمكن الأخذ بها هي حرية الاختيار الواقعية التي تمكن الفرد ‏من التحكم بإرادته وتوجيهها التوجيه السليم المتفق مع القانون .‏
‏-‏ صفة المسؤول : الإنسان لا يسأل بصفته فاعلا أو شريكا إلا عما يكون لنشاطه دخل في وقوعه ‏من الأعمال التي نص القانون على تجريمها . سواء كان ذلك بالقيام بفعل أو الامتناع الذي يحرمه ‏القانون .‏
‏-‏ مدى لزوم العلم بنص التجريم : العلم بنص التجريم عنصر في القصد الجنائي ومن الفقهاء من ‏يعتبر هذا العلم شرطا لنفاذ القانون وسريان أحكامه على المخاطبين به ومنهم من يعتبر العلم ‏بالقانون شرطا لثبوت المسؤولية وقاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون مقررة بنصوص ‏صريحة في عدد من التشريعات المعاصرة .‏

3-المسؤولية الجنائية بين الحتمية و الحرية (اساس المسؤولية الجنائية) :‏

يوجد في هذا الصدد مذهبان الأول تقليدي و يبين المسؤولية على أساس حرية الانسان في الاختيار ، و ‏الثاني وضعي و هو يبني المسؤولية على اساس الخطورة الاجرامية للجاني.‏
المذهب التقليدي : فصل المسؤولية الجنائية عن المسؤولية الاخلاقية.‏
يرى أنصار هذا المذهب أن اساس المسؤولية يبنى على أساس حرية الانسان في الاحتياز فكل انسان بالغ ‏عاقل يستطيع التمييز بين المباح و المحظور ، كما يستطيع التحكم في سلوكه فلا يأتي من الأفعال إلا ما ‏يريد و لهذا فإنه يبغي ان يسأل عما وقع منه و أن يتحمل تبعته .‏
المذهب الوضعي ‏Ecole position‏ : ترى المدرسة الوضعية أنه لا يمكن بأسس المسؤولية الجنائية ‏على أساس اخلاقي أو أدبي فالإنسان مسيتر لا مخير ، و لهذا الخصوص يقول جارو فالو أحد اقطاب ‏المدرسة “لا تستطيع أن تبني قانونيا العقابي على أساس المسؤولية الاخلاقية فإرادة الفرد تخضع و على ‏الدوام لمؤثرات داخلية و خارجية.‏
و يلخص الفتية أنريكو فري موقف المدرسة الوضعية يقوله : أن المدرسة الوضعية تنكر حريت الاختيار ‏و اذا فهي تنكر المسؤولية الأدبية و فكرة الإثم و الاستناد المعنوي و لا تهتم (لا بالانسان الفيزيائي ‏المادي) الذي تترب عليه المسؤولية الجنائية.‏
فالمدرسة الوضعية تنادي نبوع آخر من المسؤولية تسمى المسؤولية الاجتماعية التي تقوم على الخطورة ‏الإجرامية التي يمثلها الجاني و التي تستجوب التدخل لمنع الإجرام.‏
‏* و أمام هذه الآراء المتعارضة حول أساس المسؤولية ج و التي تعكس الخلاف الفلسفي القديم حول حقيقة ‏الإنسان : هل هو مسير أم مخير : مدارس فقهية للتوفيق بين المدرستين ‏
عملت المدارس الوسيطة على تجنب الخلاف بين المدرستين بشأن القول بحرية الاختيار أو رفعت ، ‏انتقاء أفضل ما عندها في محولة للوصول إلى (ساس جديد تقوم عليه المسؤولية) و لكن هذه ‏المحاولات لم تصل إلى جديد .‏
4- الخطأ :هو إتيان فعل مجرم قانونا ومعاقب عليه سواء عن قصد أو عن غير قصد لم يكن الخطأ أساسا للمسؤولية الجنائية بل كان الفعل هو أساسها وكان الإنسان يسأل عن فعله باعتباره مصدر لضرر بصرف النظر عما إذا كان قاصد فعله أو غير قاصد وسواء كان مدركا لفعله أو غير مدرك وسواء كان حرا أو مكره عليه
ثم جاءت التعاليم الدينية لإقامة المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي والقرآن الكريم غني بالآيات التي تقيم المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي نذكر منها :
  {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها}
  {من يعمل سواءا يجز به }
المطلب الثاني :موانع المسؤولية الجنائية :
أولا : الجنون ‏
الجنون هو كل آفة تعتري الإنسان فتؤثر على أجهزته أو قواه ‏التي تهيمن على إدراكه أو اختباره فتفسد أحدهما أو كلاهما سواء كانت هذه الآفة أصلية أو عارضة ‏سواء تمثلت في مرض عقلي أو عصبي أو نفسي أو عضوي ، و المشرع ساوى بين الجنون و عاهة ‏العقل لأنهما يؤديان إلى أثر واحد هو فقد حرية الاختيار.‏
الجنون يتسع ليشمل كل خلل عقلي و يتناسب هذا الرأي مع لا نص القانوني خاصة و أن المادة 47 ‏التي تتكلم عن الجنون ترجعنا إلى المادة 21 التي تتكلم عن الخلل العقلي، مما يوحي بأن القانون يتكلم ‏عن الحالتين بمعنى واحد.‏
- معاصرة الجنون لزمن ارتكاب الجريمة : لا أثر للجنون السابق على ارتكاب الجريمة إذا اثبت أن ‏الجاني كان مصابا بالجنون و لكنه شفي منه قبل أن يرتكب جريمته ، فشرط التوافق الزمني هو المحول ‏عليه لمنع المسؤولية ، إذا العبرة بسلامة الإرادة عند افتراق الجريمة.‏
أثر الجنون الطارئ بعد ارتكاب الجريمة : ‏
إذا وقع الجنون بعد الجريمة و قبل المحاكمة: فإنه يحول الجنون الطارئ دون اتخاذ الإجراءات ‏القانونية و محاكمة المتهم فلا يجوز محاكمة المجنون إلا بعد أن يعود إلى رشده.‏
أما إذا وقع الجنون أثناء المحاكمة: لا يحاكم المجنون حتى يشفى ، فلا يجوز محاكمة من لا يستطيع الدفاع ‏عن نفسه ، أو الحكم على من لا يفهم العقاب .‏
و إذا وقع الجنون بعد الحكم بالدانة يوجد وقف تنفيذ العقوبة حتى يتم شفاء الجاني اذا لا يجوز تنفيذ العقوبة ‏على المجنون .‏
وضع المجنون في الحجز القضائي : إذا اثبت جنون المتهم أو أي خلل عقلي يمتع مسؤوليته وقت ارتكاب ‏الجريمة أو أن يكون المتهم قد اعتراه خلل عقلي بعد ارتكاب الجريمة فإنه يجوز للقاضي أن يأمر بوضعه ‏في الحجز القضائي كتدبير آمن وقائي بموجب نص المادة 21 التي نصت على ما يلي : الحجز القضائي ‏في مؤسسة نفسية هو وضع الشخص بناء على قرار قضائي في مؤسسة مهيئة لهذا الغرض بسبب خلل ‏في قواه العقلية قائم وقت ارتكاب الجريمة او اعتراه بعد ارتكابها.‏
 ثانيا :صغر السن
  تختلف التشريعات الوضعية على تحديد سن معين ، يعد الفرد بعد بلوغه مسؤولا عن أعماله ‏الإجرامية ، تبعا للسياسة (الجنائية التي تنتهجها في هذا الميدان فأغلب التشريعات تعتبران الطفل الذي ‏يبلغ سن السابعة معدوم التمييز و لا يحاسب على أي فعل يرتكبه و تمتد هذه المدة في القوانين الأخرى إلى ‏سن الثانية عشر و حتى الخامسة عشر في بعض القوانين  نصت المادة 49 من قانون ع الجزائري على ‏ما يلي : “لا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشر إلا تدابير الحماية أو التربية”‏
و يلاحظ في النص أن قانون العقوبات الجزائري قد ميز بين ثلاث مراحل للمسؤولية بحسب عمر الجاني ‏القاصر على النحو التالي : ‏
المرحلة الأولى: و هي المرحلة التي تسبق سن الثالثة عشر، و هي مرحلة انعدام الأهلية و انعدام ‏المسؤولية العقابية تبعا لذلك ، يتضح ذلك من نص م49 ، المشار إليها أن الصبي دون 13 لا يعد مسؤولا ‏بحكم القانون.‏
المرحلة الثاني : وهي المرحلة التي تمتد من سن 13 حتى 18 عاما من عمر القاصر و هي مرحلة نقص ‏الأهلية و يسأل فيها الجاني القاصر مسؤولية مخففة تبعا لنقص الأهلية ، فإذا ارتكب القاصر بعد بلوغه ‏‏13 و قبل بلوغه سن الرشد الجنائي (18) جريمة فإن القانون يسمح بإخضاعه لتدابير الحماية أو العقوبات ‏المخففة.‏
و تطبيق تدابير الحماية أو التربية لا تثير أمرا جديدا ، فقد رأينا أن هذه التدابير تطبق حتى على من لم ‏يبلغ سن 13 و لكن الجديد هو إمكانية تطبيق العقوبات المخففة فيما يعني أن المشرع يعتقد بإرادة القاصر ‏و يرتب له جزءا جنائيا و لو في حدود بينتها المادة 50 على النحو التالي : ‏
‏- إذا قضي بأن يخض القاصر الذي يبلغ سنة من 13 إلى 18 لحكم جزائي فإن العقوبة التي تصدر عليه ‏تكون كالآتي: ‏
إذا كانت العقوبة التي تفرض عليه هي الإعدام أو السجن المؤيد فإنه يحكم عليه بعقوبة الحبس من 10 ‏سنوات إلى 20 سنة.‏
و إذا كانت العقوبة هي السجن أو الحبس المؤقت فإنه يحكم عليه بالحبس لمدة تساوي نصف المدة التي ‏كان يتعين الحكم عليه بها إذا كان بالغا، هذا و أضافت المادة 51 الحكم الخاص لمواد المخالفات فأجازت ‏أن يحكم على القاصر إما بالتوضيح أو الغرامة.‏
كما أن النص لم يقيد القاضي و لم يجب عليه تخفيض الغرامة فهو يحكم في حدود سلطة التقديرية ‏‏(القاصر يتساوى مع البالغ عند الحكم بالغرامة).
ثالثا: الإكراه
تنص المادة 48 من ق.ع على " أن لاعقوبة على من اضطرته إلى ارتكاب الجريمة لاقبل له بدفعها "
خلافا للجنون الذي يقضي على التمييز وبفقد الوعي فان الاكراه سبب نفسي ينفي حرية الاختيار ويسلب الارادة حريتها الكاملة ولكن كلامها يحدث نفس النتائج فكلاهما لايعدم الجريمة في حد ذاتها وانما يعدم المسؤولية الشخصية للجاني .  

 المبحث الثالث : الاتجاهات الحديثة للمسؤولية الجزائية :
المطلب الأول : المسؤولية الجزائية عن فعل الغير :
من المسلم به أن المسؤولية الجزائية شخصية فلا يسأل إلا من ارتكب الجريمة أو شارك فيها غير أن بعض القوانين جاءت بما يتضمن حالات للمسؤولية الجزائية عن فعل الغير لاسيما في المجال الاقتصادي إذ ظهرت مسؤولية رئيس المؤسسة عن الجرائم التي يرتكبها التابعون.
والواقع أن أول من كرس هذه المسؤولية هو الاجتهاد القضائي  الفرنسي وذلك منذ القرن 19
وحرص على إظهار طابعها الاستثنائي لأنها تشكل خروجا على شخصية المسؤولية والعقوبة ، ثم جاء التشريع لأخذ بها في نطاق ضيق قبل أن يتوسع فيها القضاء في القرن الماضي .
أولا – مجال تطبيق المسؤولية الجزائية عن فعل الغير :
تجد المسؤولية الجزائية عن فعل الغير تطبيقها أساسا في المجال الصناعي وتحديدا لدا رئيس المؤسسة .
وهنا يجب التمييز بين حالات المسؤولية الجزائية غير المباشرة وبين حالات المسؤولية الجزائية  الحقيقية عن فعل الغير .
أ – الحالات التي تكون فيها المسؤولية عن فعل الغير مسؤولية غير مباشرة :
ويتعلق الأمر بحالات حمل فيها المشرع المتبوع الإلتزام بأداء الغرامة الجزائية المحكوم بها على التابع دون تحميله المسؤولية الجزائية ذاتها
ونجد تطبيقها في مجال المرور وهكذا نصت المادة 96 من القانون رقم 01 – 14 المتعلق بتنظيم حركة المرور
ب – الحالات التي تكون فيها المسؤولية عن فعل الغير حقيقية :
ويتعلق الأمر هنا بحالات يرتكب فيها الشخص (تابع أو أجير ) ويعاقب جزائيا من أجلها شخص آخر (المتبوع أو رئيس المؤسسة) ، وهذه الحالات تشكل لا محالا إستثناءات لمبدأ المسؤولية الشخصية الجزائية .
ونجد أمثلة لهذه الحالات في نصوص قانونية التي نجد تطبيقها في مجال الغش الضريبي التي نصت عليها المادة 529 من قانون الضرائب الغير مباشر كما نجد تطبيقها في مجال العمل حيث نصت المادة 36-2 من  القانون رقم 88-07 المؤرخ في 20 يناير 1988 المتعلق بالرقابة الصحية والأمن وطب العمل .
ثانيا : شروط المسؤولية الجزائية عن فعل الغير
يستخلص من النصوص القانونية والإحكام القضائية لاسيما منها الفرنسية التي تضع على عاتق رئيس المؤسسة أو المتبوع النتائج الجزائية المترتبة عن الجرائم المرتكبة من طرف التابعين أو الأجراء أن المسؤولية الجزائية عن فعل العير تشترط توافر الشروط الآتية :
1- جريمة مرتكبة من طرف التابع أو الأجير :يعد التنفيذ المادي للجريمة من قبل الغير ، الأساس الموضوعي للمسؤولية الجزائية عن فعل الغير .
ولا يقيم القضاء  مبدئيا المسؤولية الجزائية عن فعل الغير إلا في الصناعات والمهن المنظمة حيث يقع على رئيس المؤسسة موجب ضمان احترام بعض الأنظمة.
2- خطا رئيس المؤسسة : تقتضي إقامة المسؤولية الجزائية عن فعل الغير على رئيس المؤسسة أن يرتكب خطا يتمثل عموما في إهمال يستنتج من مخالفة التابع أو الأجير للأنظمة القانونية أو التنظيمية .
وفي كل الأحوال يشترط أن يرتكب رئيس المؤسسة خطا شخصيا وهو خطا يستنتج من مجرد عدم مراعاة الأنظمة القانونية والتنظيمية لاسيما تلك المتعلقة بصحة وسلامة العمال .
3- الإعفاء من المسؤولية الجزائية في حالة تفويض الصلاحيات :
في ما سبق أن المسؤولية الجزائية لرئيس المؤسسة نستنتج من مجرد عدم احترامه موجبا محددا من الموجبات التي تفترضها عليه القوانين والأنظمة ، وهذا يتطلب منه القيام شخصيا بالإشراف والمراقبة على المؤسسة وهو أمر يستحيل عليه ماديا القيام به بنفسه .
هذا الوضع بالإضافة للمتطلبات الفنية حمل رؤساء المؤسسات على تفويض المديرين الفنيين ورؤساء المصالح ببعض الصلاحيات ، على ما تظهره التنظيمات الداخلية في المؤسسات بحيث يتحمل كل شخص لمسؤولية المباشرة والشخصية في إدارة ما وكل إليه .
المطلب الثاني : المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
عندما يرتكب مدير مؤسسة جريمة ما و هو يعمل ليس لحسابه الخاص و إنما أثناء ممارسة وظائفه كعضو و كممثل للشخص المعنوي (شركة ، جمعية ، نقابة ) يجوز مساءلة مدير مؤسسة عن الجريمة التي ارتكبها والحكم عليه بصفة شخصية و ليس على أساس صفته المهنية .
يثور التساؤل حول ما إذا كان جائز إقامة المسؤولية الجزائية ليس فقط على عاتق رئيس أو مدير مؤسسة بل على الشركة نفسها بصفتها شخصا معنويا تلك هي إشكالية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي .
أولا :  إشكالية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي
أ – موقف الفقه من مسألة إشكالية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي : انقسم إلى رأيين
* الرأي المعارض لإقامة إشكالية المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
مؤدى هذا الرأي الذي دافع عليه على وجه الخصوص فقهاء القرن التاسع عشر أنه لا يمكن مساءلة الشخص المعنوي جزائيا ذلك أن المسؤولية الجزائية تبنى على الإرادة والإدراك التي تتوفر في الشخص الطبيعي و لا يمكن إسنادها في الشخص المعنوي و كذلك لا يمكن أن تطبق العقوبة على الشخص المعنوي أهم العقوبات المقررة للجرائم و هي العقوبة السالبة للحرية .
* الرأي المؤيد لإقامة المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
يقول أصحاب هذا الرأي الذي دافع عنه على وجه الخصوص الفقهاء المعاصرون أن التطور الهائل في مجال الصناعة أدى إلى تزايد الجماعات التي تقوم بدور فعال في المجالين الاقتصادي والاجتماعي .
وحسب هذا الفريق فان الجماعة الاقتصادية لها حياتها الخاصة المستقلة عن حياة أعضائها تتميز بإرادة ونشاط يختلفان عن إرادة ونشاط هؤلاء الأعضاء .
والشخص المعنوي كائن حقيقي له وسيلة تعبير وإرادة جماعية وقادرة  على العمل وبتالي قادر على الخطأ .
ومن جهة أخرى فان تنوع العقوبات التي يمكن أن تنزل بالشخص المعنوي من غرامة ومصادرة وإغلاق وحل لا يشكل عائقا أمام معاقبتها .
ب- موقف القانون الجزائري بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :تطور موقف الفقه الجزائري عبر مراحل :
*عدم الإقرار بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي : إلى غاية تعديله بموجب القانون الصادر في 10-11-2004 لم يكن قانون العقوبات الجزائري يأخذ بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي غير انه لم يستبعد صراحة بل إن ما نصت عليه المادة 9 منه في البند رقم 5 التي أدرجت حل الشخص المعنوي ضمن العقوبات التكميلية التي يجوز للقضاة الحكم بها في الجنايات والجنح يبعث على الاعتقاد بان المشرع الجزائري يعترف ضمنيا للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي .
* الإقرار بالمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :  على الرغم من عدم إقرار المشرع الجزائري صراحة للمسؤولية الجزائية للشخص المعنوي في قانون العقوبات نجد أن المسؤولية مكرسة في بعض القوانين الخاصة في حين تستبعدها قوانين أخرى .
ثانيا : شروط المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي :
بالرجوع إلى المادة 51 مكرر من قانون العقوبات نجدها تنص على أن " ... يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحاسبه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك " .
ومن هذا النص نستنتج أن الشخص المعنوي يعامل تماما مثلما يعامل الشخص الطبيعي إذ بإمكانه إن يسأل عن أية جريمة منفذة أو تم الشروع فيها كما يمكنه أن يكون فاعلا أو شريكا غير أن تطبيق هذا الحكم يتطلب تحديد الأشخاص محل المساءلة الجزائية ثم السلوك محل المساءلة وأخيرا أن الجرائم التي تشملها المساءلة .

الاسمبريد إلكترونيرسالة