-->
U3F1ZWV6ZTExODk5MTcwMDIxX0FjdGl2YXRpb24xMzQ4MDExODE2NzQ=
recent
أخبار ساخنة

استقلالية القانون الإداري



استقلالية القانون الإداري *
إذا كان للقانون الإداري علاقة مع القانون الدستوري ومع القانون الجنائي ومع القانون المدني وكذلك قانون الإجراءات المدنية و القانون المالي و القانون الدولي العام وفروع أخرى من القانون، فإنّ هذه العلاقة في حد ذاتها تؤكد تميّز القانون الإداري عن بقية فروع القانون الأخرى سواء من حيث نظام المنازعات و غيرها من أوجه التمييز المختلفة. وهو ما يثبت استقلاله عن مجموع فروع القانون العام (الدولي و الجنائي و الإجراءات المدنية والمالي) ومجموع فروع القانون الخاص ومنها القانون المدني وقانون الأسرة.
وطالما أثار القانون الإداري باعتباره مجموعة قواعد غير مألوفة في مجال القانون الخاص إشكالا فيما يتعلق بمفهومه الضيق أو الفني. ونجم عن هذه الإشكالية ظهور تيار معاد للقانون الإداري ومنكر له، فانّ مثل هذا التصور انتقل لمجال الاستقلالية بين المدرسة الأنجلوسكسونية و المدرسة اللاتينية.

وإذا كانت النظم الأنجلوسكسونية كما رأينا لا تعترف بالقانون الإداري بالمفهوم الفني و المشار إليه فإنها لا تخلوا طبعا من نصوص خاصة تنظم هيكل الإدارة وتحكم نشاطها. فلا يتصور تسيير شؤون الدولة دون نصوص تحكم الإدارة. فالإدارة العامة في النظام الإنجليزي مثلا تتمتع هي الأخرى بسلطة نزع الملكية للمنفعة العمومية شأنها في ذلك شأن الإدارة العامة في النظام الفرنسي، إذن أين يكمن وجه الاختلاف بين النظام الأنجلوسكسوني و النظام اللاتيني؟
إن وجه الاختلاف بين النظامين يكمن في النظرة للسلطة أو الإجراء الإداري في حد ذاته. ففي النظام الأنجلوسكسوني يشكل النزع استثناء يرد على مبدأ عام هو خضوع الدولة و هيئاتها لذات القواعد التي يخضع لها الأفراد. أمّا في النظام
الفرنسي وما تبعه من دول فانّ الوضع عكس ذلك تماما، إذ المبدأ العام هو خضوع الدولة و هيئاتها لقواعد استثنائية غير معهودة في مجال روابط القانون الخاص، واستثناء هو خضوعها لقواعد القانون الخاص.
وهذا التمييز يشكل وضعا عاديا طالما اعترف النظام الفرنسي بتعدّد وتنوع القواعد القانونية، بل و بتنوع و تعدد الجهات القضائية.
وإذا كان القانون الإداري كما بينّا يتمتع بكيانه المستقل وذاتيته، فإنّ هذا الكيان المستقل، لا يمنع من أن يستلهم القانون الإداري بعض أحكامه من القانون الخاص إذا قدرت الجهة القضائية المختصة ذلك ورأت أنّ هذه القواعد المقتبسة تلائم روابط القانون العام.
وتجدر الإشارة أنّ استقلال القانون الإداري عن القانون الخاص لا تتجلّى إلا إذا تأكد استقلاله خاصة عن القانون المدني[1] عندها يمكن القول أنّه قانونا بذاته له نظرياته ومبادئه و قواعده الخاصة بدأ يظهر إلى الحيز الوجود.
فبعض قواعد القانون الإداري لا مثيل لها ولا مقابل على صعيد القانون المدني. من ذلك أن الإدارة تتمتع بسلطة إصدار القرار الإداري بإرادتها المنفردة ويلزم الأفراد بالخضوع لمضمون هذا القرار[2]. بينما على الصعيد المدني لا يستطيع الشخص جبر وإلزام شخص آخر بعمل ما إلا إذا تعهد هو بالقيام به، فروابط القانون الخاص تبني أساسا على مبدأ سلطان الإرادة. وتتمتع أيضا بسلطة تقييد الحريات العامة في مجال الضبط الإداري فتستطيع حظر التجوال أو منع زيارة مناطق معينة. بينما لا نجد لمثل هذه السلطة شبيها ومثيلا على صعيد القانون الخاص.
وتستطيع الإدارة طبقا لقواعد القانون أن تنزع ملكية فرد رغم أنّ حق الملكية مضمون دستوريا شريطة احترامها لإجراءات النزع وضمانها لحقوق المنزوع ملكيته في المقابل العادل و المنصف. ولا نجد لهذه السلطة آلية مماثلة في مجال القانون المدني الذي يقوم أساسا على مبدأ عدم المفاضلة بين المصالح الخاصة خلافا للمجال الإداري الذي يفضل المصلحة العامة على الخاصة.
و الإدارة عندما تقوم بهذه الأعمال المنفردة فإنها غير ملزمة كأصل عام بتسبب قراراتها.[3] كما أنّها تهدف بأعمالها هذه لتحقيق المصلحة العامة[4] وهي من تشرف على تنفيذ قراراتها. [5] وهذا ما يجعل العمل الإداري يتميز عن النشاط المدني الذي يهدف دائما إلى تحقيق مصلحة أفراده لا المصلحة العامة.
ويتميز العمل الإداري عن باقي أعمال السلطات الأخرى كعمل السلطة التشريعية وكذلك عمل السلطة القضائية بما فرض مسألة إحاطته بقواعد خاصة ومميزة.[6]
وفي مجال التعاقد أو الروابط التعاقدية تملك الإدارة سلطة تعديل الصفقة العمومية بالإرادة المنفردة. وهذا ضمن إطار قانوني اصطلح عليه في الجزائر بالملحق.كما تستطيع فسخ العقد وتوقيع الجزاءات المالية. وهو أيضا ما لانجده في العقد المدني الذي يحكمه مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
أمّا فيما تعلّق بنظام الأموال فقد حظي المال العام بحماية خاصة منعت كل تصرف فيه أو حجزه أو تملكه بطريق التقادم وهو ما أشارت إليه صراحة المادة 689 من القانون المدني الجزائري.
ولقد تجلت استقلالية القانون الإداري خاصة في الدول التي تبنت ازدواجية القضاء كفرنسا ومصر و الجزائر. حيث تم استحداث مجلس للدولة[7] ومحاكم إدارية[8] ومحكمة للتنازع.[9] ومن المؤكد أنّ هذه الاستقلالية ستكرّس أكثر إذا ما تم سن قواعد منفصلة ومستقلة للإجراءات الإدارية وهو ما وعدت به السلطة العامة في الجزائر وتجسد في القانون 08/09 المذكور.
وإذا كان القاضي يعود لقواعد القانون المدني و يطبقها على النزاع المعروض عليه، إن قدر صلاحيتها وملائمتها للمجال الإداري، فانّ مثل هذه المرجعية لا تنفي بحال من الأحوال استقلالية القانون الإداري وهو ما أجمع عليه الفقه في فرنسا ومصر و الجزائر.[10]
-
أسباب استقلال القانون الإداري:
لقد حاول الفقه خاصة في فرنسا إبراز الحكمة في استقلال القانون الإداري وقدم مبررات كثيرة لإثبات تميّزه وذاتيته، ولعل أهم ما تمّ التركيز عليه يكمن فيما يأتي:
أ- مبدأ سيادة الدولة:
لقد دافع كثير من رجال الفقه على مبدأ سيادة الدولة كأحد أهم الأسباب الداعية إلى استقلال القانون الإداري. فقيل أنّ الدولة و الهيئات التابعة لها وهي تمارس مهامها وتهدف إلى تحقيق المصلحة العامة لا يمكن أن تخضع لقواعد القانون الخاص. ولا يمكن أن تمثل في منازعاتها أمام القضاء العادي. هذا فضلا على أنّ القانون الخاص يجعل أطراف العلاقة في مرتبة واحدة. ولا يميز طرفا على الآخر. و من ثمّ لا فائدة من تطبيقه على علاقات الإدارة بالأفراد أو على الإدارة في علاقتها بهيئات إدارية أخرى.
ومن المفيد التنبيه أنّ النظم الأنجلوسكسونية وتجسيدا لمبدأ سيادة القانون تفرض أن تكون جهة القضاء واحدة تفصل في كل المنازعات ورأت أن تخصيص قضاء مستقل يعني دون شك تحيز القضاء لصالح التاج على حساب القانون.[11]
نقد هذا التبرير:
لقد كان هذا التبرير عرضة لجملة من الانتقادات أبرزها:
1-
إنّ فكرة السيادة المعتمد عليها لتبرير استقلالية القانون الإداري ليست فكرة مطلقة فسيادة الدولة لا يعني عدم خضوعها لأي قانون أو قاعدة[12] إلى جانب أنّ مبدأ السيادة انتقد على أساس أنّه وصمة عار في جبين المشروعية. ثمّ إنّ الدولة قد تخضع كشخص من أشخاص القانون لقواعد القانون الخاص لا القانون إداري.
2-
إنّ عدم المساواة بين أطراف العلاقة القانونية الواحدة لا يميّز روابط القانون العام وحده، بل قد يمتد مجالها للقانون الخاص. و هو ما يتجسّد خاصة في عقد العمل حيث يقف العامل في موضع أقلّ من صاحب العمل مما يدفعه لقبول مجموع الشروط المفروضة من قبله.
ب- طبيعة المنازعات الإدارية:
لقد أطلق بعض رجال الفقه على القضاء العادي حكما مطلقا كونه غير قادر على حل المنازعات بين الإدارة و الأفراد. ومن باب أولى سوف لن يكون قادرا على حل المنازعات بين الجهات الإدارية ذاتها.[13]
ويعود سر عدم الاستطاعة هذا من وجهة نظر القائلين بهذا المبدأ إلى كون أن القضاء العادي يجهل الكثير من عالم الإدارة مما ينجر عنه عدم قدرته على إخضاعها لقواعد تلائم طبيعتها وتراعي هدف نشاطها.
وتأسيسا على ذلك وجب الاعتراف لجهة الإدارة بقضاء خاص متميّز من شأنه مراعاة مثل هذه الأمور. ومما لاشك فيه أنّ تخصيص قضاء مستقل ينظر في منازعات الإدارة سواء في فرنسا أو غيرها من الدول ساهم مساهمة كبيرة في استقلالية القانون الإداري و تثبيت قواعده وأحكامه المتميّزة عن قواعد القانون الخاص. والحقيقة التي لا يمكن إنكارها اليوم أنّ استقلالية القانون الإداري باتت أمرا مسلما به في كثير من الدول ومنها الجزائر.
نقد هذا الرأي:
ينبغي الاعتراف أن المتمسكين بهذا الرأي وضعوا اليد على دائرة في غاية من الأهمية ألا و هي دائرة المنازعات الإدارية. فأثبتوا أنّ المنازعة الإدارية لها خصوصيات كثيرة تميّزها عن الخصومات الأخرى بما ينبغي التفكير في إحالة النزاع الإداري لقاض متخصص هو القاضي الإداري. وهو ما برر استقلالية القانون الإداري.
غير أنه يؤخذ على هذا الرأي أنه صادر على المطلوب إذ لا يمكن أن تبنى نظرية القانون الإداري باعتباره مجموعة قواعد غير مألوفة على فكرة خصوصية النزاع الإداري. إذ ينبغي إقامة الأسس و الأسباب على قواعد موضوعية لا قواعد إجرائية.
ج- مبدأ طبيعة الخدمة العامة:
ركّز جانب كبير من الفقه على هذا المبدأ لإبراز ذاتية القانون الإداري فقالوا إن سبب فصل القانون الإداري وتميزه يعود بالأساس لطبيعة الخدمة العامة، فالسلطة العامة تحتاج للقيام بمهامها (أداء الخدمة العامة) إلى وسائل قانونية تختلف عن تلك المعهودة في مجال روابط القانون الخاص. فلو أخذنا على سبيل المثال نزع الملكية للمنفعة العامة لرأينا أن هذه السلطة المعترف بها للإدارة فرضتها طبيعة الخدمة العامة. لأنّه لا يمكن أن يقرّر النزع لمجرد أنه عملية تهدف إلى حرمان الغير من ملكيته، بل أنه تقرّر بهدف أداء خدمة عامة كإقامة طريق أو جسر وإنشاء مدرسة وغيرها.
كما أنّ طبيعة الخدمة العامة هي الّتي تقف مبررا للاعتراف بإصدار القرارات وتقييد الحريات و بتعديل الصفقات العامة و بتوقيع الجزاء على الطرف المتعاقد معها وبسلطة فسخ العقود بإرادتها المنفردة و غيرها من مظاهر السلطة العامة.
تقدير هذا الرأي:
يبدو أنّ هذا الرأي أكثر صوابا ودقة من سابقيه خاصة وأنّ الطبيعة الخاصة للقانون الإداري مرتبطة أشد الارتباط بالخدمة العامة لذا باركه كثير من رجال الفقه[14] ونباركه نحن.
الإشكالية:ماأسباب إستقلالية القانون الإداري عن القانون المدني؟
الخطة المقترحة:
المبحث الأول:الأسباب التاريخية
المطلب الأول:القانون الموحد كامل مشترك للقانون الإداري والقانون المدني
المطلب الثاني:تطور القانون الإداري بمعزل عن القانون المدني
المبحث الثاني:الأسباب التقنية
المطلب الأول:إختلاف موضوع القانون الإداري عن موضوع القانون المدني
المطلب الثاني:حلول القانون الإداري تختلف عن حلول القانون المدني
تحليل الخطة :
المبحث الأول:الأسباب التاريخية
المطلب الأول:القانون الموحد كامل مشترك للقانون المدني والقانون الإداري
بمعنى أن في البداية لم يكن هناك تمييز بين القانون المدني عن القانون الإداري ولكن بعد إكتشافه وهذا يعني بأنه كان موجودا لأول مرة في فرنسا عن طريق القضاء فقد تبين أن القانون الإداري يختلف إختلافا تام عن القانون المدني فالإدارة مثلا:في مجال التعاقد لاتخضع لما هو سائد في القانون المدني بأن العقد شريعة المتعاقدين بل يجوز لها من منطلق أنها سلطة عامة أن تعدل العقد الإداري بإرادتها المنفردة.
المطلب الثاني:تطور القانون الإداري بمعزل عن القانون المدني
لم يظهر القانون الإداري كنتيجة لمجهود يرمي تمييزه عن القانون المدني،لأن قواعده تطورت بالتوازي مع تطور قواعد القانون المدني نفسه.فقواعد القانون الإداري برزت إلى الوجود في شكلها الخاص بمجرد ظهور شكل من أشكال التنظيم الإجتماعي واتسمت بالمرونة كانت أحد أهم الأسباب التي حالت وتحول دون تقنين القانون الإداري.فإذا كانت الفرد وعلاقته محددة ومعلومة ويمكن معرفتها والتنبؤ بها وتنظيمها بمقتضى نصوص رغم تشعبها وهذه المرونة زاد نطاقها بظهور قطاعات جديدة أفرزها تدخل الدولة في مجالات الدولة كانت بعيدة فيها وظهر نوع من الإتحاد بين سلطة رب العائلة مع سلطة أخرى التي تعرف اليوم باسم السلطة الإدارية. ولكن التزامن لنشأة هاتين السلطتين لايكفي للقول بأن السلطتين مستمد من وجود السلطة الأخرى لأنه استغرق وقتا طويلا في استكمال قواعده من الوقت الذي استغرقه القانون المدني وبعد الأحداث التي وقعت والمشاكل من هذا نستنتج أنه ليس لهذا الفرعين علاقة في التطور.
المبحث الثاني:الأسباب التقنية
المطلب الأول:إختلاف موضوع القانون الإداري عن القانون المدني
فبعض قواعد القانون الإداري لا مثيل لها ولا مقابل على صعيد القانون المدني من ذلك أن ذلك أن الإدارة تتمتع بسلطة إصدار القرار الإداري بإرادتها المنفردة ويلزم الأفراد الخضوع لمضمون هذا القرار.بينما على الصعيد المدني لايستطيع الشخص جبروإلزام شخص آخر بعمل ماإلا إذا تعهد هو بالقيام به،فروابط القانون الخاص تبني أساسا على مبدأسلطان الإرادة.وتتمتع أيضا بسلطة تقييد الحريات العامة في مجال الضبط الإداري فتستطيع حضر التجوال أو منع زيارة مناطق معينة.بينما لاتجد لمثل هذه السلطة شبيها ومثيلا على صعيد الخاص.
المطلب الثاني: حلول القانون الإداري عن القانون المدني
تستطيع الإدارة طبقا لقواعد القانون أن تنتزع ملكية فرد رغم أن حق الملكية مضمون دستوريا شريطة إحترامها لإجراءات النزع وضمانها لحقوق المنزوع ملكيته في المقابل العادل والمنصف.ولانجد لهذه السلطة آلية مماثلة في مجال القانون المدني الذي يقوم أساسا على مبدأ عدم المفاضلة بين المصالح الخاصة خلافا للمجال الإداري الذي يفضل المصلحة العامة على الخاصة.
والإدارة عندما تقوم بهذه الأعمال المنفردة فإنها غير ملزمة كأصل عام بتسبب قرارتها.كما أنها تهدف بأعمالها هذه لتحقيق المصلحة العامة، وهي من تشرف على تنفيذ قرارتها.وهذا ما يجعل العمل الإداري يتميز عن النشاط المدني الذي يهدف دائما إلى تحقيق مصلحة أفراده لا المصلحة العامة.ويتميز عملها عن باقي السلطات الأخرى كعمل السلطة التشريعية وعمل السلطة القضائية.
الخاتمة:في الأخير نستنتج أن القانون المدني منعزل عن القانون الإداري أي أن القانون الإداري له تنظيمات مستقلة عن ذاته عن القانون المدني والسلطات الأخرى.
إستقلال القانون الإداري

إذا كانت النظم الأنجلوساكسونية لا تعترف بالقانون الإداري بالمفهوم الفني، فإنها لا تخلوا من نصوص خاصة تنظم هيكل الإدارة و تحكم نشاطها، كما يمكن أن تحدث عمليات نزع الملكية و الإستيلاء أو المصادرة... إلا أن هذه القواعد و المؤسسات تشكل إستثناءات أو مخالفات للقانون المشترك المطبق مبدئيا في الدول الأنجلوساكسونية، لهذا يقال أنه يوجد فيها قانون واحد و قاض واحد.
و بالعكس، فإن المفهوم الفرنسي يقوم على أساس أن النشاط الإداري يخضع لقواعد خاصة و قاض خاص، و هو نادرا ما يخضع للقانون المشترك أو القانون الخاص و للقاضي العادي.
لقد صيغت فكرة إستقلال القانون الإداري بصورة واضحة و لأول مرة في قرار بلانكوا الشهير، و قررا محكمة النقض الفرنسية أن "المسؤولية التي يمكن أن تقع على عاتق الدولة من جرّاء الأضرار المسببة للأفراد ... لا يمكن أن يبت فيها بالإستناد للمبادئ القائمة في القانون المدني الخاص بالعلاقات بين الأفراد".
كما أن لجوء القاضي الإداري إلى بعض أحكام القانون الخاص لا ينفي مسألة إستقلال القانون الإداري.
أسباب إستقلال القانون الإداري

لقد حاول الفقه خاصة في فرنسا إبراز الحكمة من إستقلال القانون الإداري، و أهم المبررات لإثبات تميّزه و ذاتيته ما يلي :
1.
مبدأ سيادة الدولة : لقد دافع كثير من رجال الفقه على مبدأ سيادة الدولة كأحد أهم الأسباب الدّاعية إلى إستقلال القانون الإداري، فقيل أن الدولة و الهيئات التابعة لها و هي تمارس مهامها و تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة لا يمكن أن تخضع لقواعد القانون الخاص و لا يمكن أن تمثل في منازعاتها أمام القضاء العادي.
هذا فضلا على أن القانون الخاص يجعل أطراف العلاقة في مرتبة واحدة و لا يميّز طرفا عن الآخر.
ملاحظة :
النظم الأنجلوساكسونية و تجسيدا لمبدأ سيادة القانون تفرض أن تكون جهة القضاء واحدة تفصل في كل المنازعات و تخصيص قضاء مستقل لللإدارة يعني تحيّز القضاء لصالح الإدارة على حساب القانون.
النقد :
*
فكرة السيادة المعتمد عليها، ليست فكرة مطلقة فسيادة الدولة لا يعني عدم خضوعها لأي قاعدة أو قانون.
*
عدم المساواة بين أطراف العلاقة القانونية الواحدة لا يميّز روابط القانون العام وحده، بل قد يمتد مجالها للقانون الخاص. (عقد العمل : صاحب العمل، العامل).
2.
طبيعة المنازعات الإدارية : إن القضاء العادي يجهل الكثير عن عالم الإدارة مما ينجر عنه عدم قدرته على إخضاعها لقواعد تلائم طبيعتها و تراعي هدف نشاطها، و من هنا وجب الإعتراف لجهة الإدارة بقضاء خاص متميّز من شأنه مراعاة مثل هذه الأمور.
*
من المؤكد أن إستقلالية القضاء الإداري عن القضاء العادي قد ساهم في إرساء دعائم القانون الإداري و تثبيت قواعده و أحكامه المتميّزة عن قواعد القانون الخاص.
3.
مبدأ طبيعة الخدمة العامة : إن سبب تميّز القانون الإداري و فصله عن القانون العادي يعود بالأساس لطبيعة الخدمة العامة، فالسلطة العامة تحتاج للقيام بمهامها (أداء الخدمة العامة) إلى وسائل قانونية تختلف عن تلك المعهودة في مجال روابط القانون الخاص.
مثلا : نزع الملكية للمنفعة العامة، سلطة معترف بها فرضتها طبيعة الخدمة العامة.
سبب آخر، إمتيازات السلطة العامة :سلطة فرض التعليمات ، سلطة إجبار المواطنين على أداء بعض الخدمات، إمتياز الأولوية، إمتياز التنفيذ الإداري، كل هذه الإمتيازات لخدمة السلطة العامة.
حدود إستقلال القانون الإداري
حتى الحرب العالمية الثانية كان المذهب التقليدي يدعم بقوّة فكرة الإستقلال التام للقانون الإداري عن القانون الخاص، و هذه الفكرة لا تتفق تماما مع الحقيقة لأنه توجد تداخلات عديدة بين فرعي القانون، و بشكل خاص بين القانون الإداري و القانون المدني و التجاري.
إن قواعد القانون الإداري تتفق أحيانا و قواعد القانون الخاص، رغم أنها تبقى متميّزة عنها، و يبرز هذا التشابه بوجود مبادئ عامة تهيمن على كل فروع القانون و تشكل القاعدة الأساسية لكل نظام قانوني.
مثلا : - مفهوم القوة القاهرة يستعار من القانون المدني.
-
مفهوم الخطأ في المسؤولية (رغم تميّز الخطأ الإداري كثيرا).
إن هذا لا يمنع أن يكون لهذه الفروع خصوصياتها التي تمنحها أصالة ما بالنسبة لبعضها البعض، دون أن يؤدي ذلك لجعلها فرعا علميا منفصلا تماما.
إن إستقلال الفرع القانوني بالنسبة للآخر يبدوا إذن كأحد مظاهر المناقشات الخاطئة و العديدة بين رجال القانون.
إن القانون الإداري ظهر في وقت متأخر جدا، و هذا يتفق تماما و عملية الإنتقال من تشكيلة إقتصادية و إجتماعية إقطاعية إلى تشكيلة إقتصادية و إجتماعية رأسمالية.
فالتمييز بين القانون العام و القانون الخاص مرتبط إذن بقدوم الدولة الليبرالية و بدورها على الصعيد القانوني و السياسي.

الاسمبريد إلكترونيرسالة